تعتبر الأنظمة القانونية انعكاساً لواقع المجتمع الذي تنظمه، وتهدف بشكل عام إلى تنظيم احتياجات أفراد هذا المجتمع وإشباعها، مما يفسر ضرورة تجديد تلك الأنظمة وتطويرها مع مرور الوقت وتغير الظروف. وفي العقد الأخير من الزمن وبخاصة في السنوات الأخيرة، لم تعد الأنظمة القانونية التقليدية التي تنظم علاقة العمل كافية لمواكبة التطورات التي أوجدتها الثورة التكنولوجية في نظام العمل، مما نشأت معه الحاجة إلى استحداث آليات ونظم قانونية جديدة لتنظيم علاقات العمل بما يتوافق مع هذا التطور.
ففي المملكة العربية السعودية، ساهم التحوّل الرقمي ووجود البنية التقنية القوية والمتطورة في نجاح القطاعات الحكومية والخاصة بتنفيذها لآليات وبرامج العمل عن بعد، لتواجه العقبات التي قد تقف أمام الموظفين كالبعد الجغرافي وعمليات التنقل، كما تمكّنت من تحقيق استمرارية العمل بالرغم من وجود الجوائح والظروف القاهرة المُعيقة لسير العمل مثل فيروس كورونا (كوفيد-19).
برنامج العمل عن بعد!
أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية مبادرة "برنامج العمل عن بعد" لمعالجة الفجوة بين أصحاب العمل والباحثين عن فرص العمل في المملكة وفق أسس منهجية وعلمية متكاملة، ورؤية واضحة تدعمها أنظمة ولوائح إجرائية مدروسة للوصول إلى أفضل أداء لها.
ويعرف العمل عن بعد بأنه "أداء العامل لواجباته الوظيفية في غير مكان العمل المعتاد، وذلك باستخدام أي من وسائل الاتصال وتقنية المعلومات". ويعد برنامج "العمل عن بعد" أحد أهم وأحدث المبادرات الوطنية في المملكة لتمكين وتطوير المهارات السعودية وتقليل الفجوة بين احتياجات الشركات المختلفة من التوظيف والمواهب السعودية الباحثة عن وظائف تناسب حياتهم ومسؤولياتهم.
وقد جاء قرار تدشين البرنامج ضمن مجموعة من القرارات التنظيمية التي عملت عليها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية لتوفير فرص عمل محفزة للموارد البشرية الوطنية، وتوسيع دائرة المشاركة مع القطاع الخاص المتوافقة مع استراتيجية الوزارة المعنية بتنمية رأس المال البشري، وتعزيز المساهمة في المنظومة الاقتصادية.
ويهدف البرنامج لدعم الفئات التي لا يناسبها الذهاب للعمل يوميًا من السعوديات وذوي الاحتياجات الخاصة وكذلك ساكني المناطق النائية عن سوق العمل في المملكة، بالإضافة إلى زيادة نسبة التوطين ودعم وتطوير سوق العمل السعودي للاستفادة من مزايا العمل عن بعد.
ويخدم برنامج العمل عن بعد في المملكة ثلاث فئات، وهم:
- العامل عن بعد.
- المنشآت السعودية.
- مزودي خدمة العمل عن بعد.
الضوابط والشروط!
ينظم العلاقة التعاقدية للعامل عن بعد عقد عمل يذكر فيه صراحة أن العمل لدى صاحب العمل يتم "عن بعد"، ويخضع العمل عن بعد لنظام العمل السعودي بشكل عام، بالإضافة إلى مجموعة من الضوابط والشروط التي حددها القرار الوزاري رقم 792، والتي من أهمها بالنسبة للعامل أن يكون سعودي الجنسية وأن يتراوح عمره بين 18 عاماً و 60 عاماً، وأن يجيد استخدام الأجهزة التقنية الحديثة، وأن يقوم بتفعيل تطبيق "أبشر".
كما يشترط أن تكون طبيعة العمل يمكن تأديتها من خلال وسائل الاتصال وتقنية المعلومات من خلال الهاتف، أو البريد الالكتروني، أو وسائل الدردشة، أو وسائل التواصل الاجتماعي والتفاعل المباشر وغيرها.
ويجيز برنامج العمل عن بعد لصاحب العمل أن يقوم بتوظيف العامل عن بعد بدوام كامل أو جزئي، كما يجيز له الاتفاق مع العامل الذي يؤدي عمله في مكان العمل الأساسي أن يؤدي عمله "عن بعد سواء كان ذلك في أوقات العمل المعتمدة بالمنشأة أو في غيرها.
وتلتزم المنشآت (صاحب العمل) بتوفير جميع ما يلزم العامل لتأدية عمله من أدوات وأجهزة وغيرها، بالإضافة إلى دفع تكاليف صيانة الأجهزة التي يستخدمها العامل عن بعد لضمان استمرارها لتكون صالحة للعمل. وكذلك دفع فواتير وسائل الاتصال وتقنية المعلومات التي يوفرها للعامل للقيام بأعماله الموكلة إلية ومراعاة وسائل السلامة العامة اللازم توفرها في مكان العمل.
في حين يلتزم العامل عن بعد بالحفاظ على الأدوات والأجهزة التي في عهدته وعنايتها وطلب الصيانة اللازمة لها من صاحب العمل كلما تطلب الأمر ذلك، وعليه أيضاً أن يبذل في ذلك العناية والحرص المعتادين، وأن يقوم بإعادة الأدوات والأجهزة التي يوفرها له صاحب العمل متى طلب منه ذلك، وعدم استخدام تلك الأدوات والأجهزة لغير حاجات العمل، أو في أعمال غير مشروعة.
التوثيق والتسجيل!
يمنح برنامج العمل عن بعد المنشآت السعودية الفرصة لاستقطاب المواهب الوطنية السعودية للعمل دون التقيد بمسكنهم الجغرافي أو حتى مواعيد عمل الشركة الرسمية. وبناء على ذلك يشترط توثيق عقود العاملين عن بعد في البوابة الإلكترونية التي تحددها الوزارة وأن يحدد المكان أو الأماكن التي يمكن تأدية العمل فيها والمهمات الوظيفية والوصف الوظيفي لها وعدد ساعات العمل وأوقات بدء العمل وانتهائه ومقدار الأجر وكافة الحقوق والبدلات، إضافة إلى أي حقوق أخرى منصوص عليها في نظام العمل أو القرارات الوزارية واللوائح الداخلية المعتمدة في المنشأة.
وبالرغم من أنه يشترط لتوظيف العاملين عن بعد توثيق عقودهم عبر البوابة الإلكترونية التي تحددها الوزارة، كما يجب أن يكون العامل عن بعد مسجلاً في التأمينات كعامل عن بعد بدوام كامل/جزئي قبل أن يتم تسجيله في بوابة العمل عن بعد. إلا إنه لا يشترط لتوظيف العاملين الخاضعين لهذا القرار الحصول على تصريح مسبق من وزارة العمل أو أي جهة أخرى.
مزودي الخدمة!
الشركات مزودة الخدمة هي شركات معتمدة ومتعاقدة مع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، ومتخصصة في مجال تقديم الحلول والخدمات التقنية والإلكترونية والمساندة للعمل عن بعد، وبناء وتجهيز وتشغيل أنظمة وبرامج العمل عن بعد، كما أن لديها الكوادر والخبرات المؤهلة والقادرة على إنشاء وتجهيز وتفعيل برنامج العمل عن بعد.
ويضم برنامج العمل عن بعد باعتباره جهة قانونية رئيسية العديد من مزودي الخدمات الذين تم اعتمادهم رسمياً من قبل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بشكل يضمن لكل من الشركات المنضمة إلى البرنامج والباحثين عن عمل الذين يتم توظيفهم من خلال البرنامج كامل حقوقهم ومزاياهم. وتعد هذه الجهات هي الجهات الوحيدة المصرح لها بتقديم خدمات التوظيف ضمن برنامج "العمل عن بعد" بشكل قانوني وموثوق.
ويشترط لانضمام الشركات كمزود خدمة في برنامج العمل عن بعد، أن تستوفي كافة مستندات التسجيل كشهادات السجل التجاري واشتراك الغرفة التجارية والتأمينات الاجتماعية والسعودة والزكاة وضريبة القيمة المضافة، بالإضافة إلى أن يكون نطاق الشركة أخضر على الأقل، وأن يكون مرخصاً لها بممارسة التوظيف – إدارة الموارد البشرية – الحلول التقنية، أو أي مجال يتعلق بما ذكر.